العاصفة المالية الناجمة عن الجمود السياسي في واشنطن تنتقل عبر سلسلتين واضحتين من القنوات، حاملةً البرودة بدقة إلى حساب كل مستثمر في سوق العملات المشفرة.
بتوقيت شرق آسيا في 13 نوفمبر، أوشكت أزمة إغلاق الحكومة الفيدرالية الأمريكية التي استمرت 41 يومًا على نهايتها، حيث أقر مجلس الشيوخ في الكونغرس خطة تسوية. هذا الإغلاق القياسي لم يؤثر فقط على ملايين الموظفين الفيدراليين والخدمات الحكومية، بل أحدث أيضًا صدمة كبيرة في سوق العملات المشفرة العالمية من خلال قنوات مالية دقيقة.
خلال فترة الإغلاق، ارتفع رصيد الحساب العام لوزارة الخزانة الأمريكية من حوالي 300 مليار دولار إلى أكثر من 1 تريليون دولار، ما سحب سيولة هائلة من السوق. في الوقت نفسه، أدى الجمع بين فجوة البيانات الاقتصادية وعدم اليقين السياسي إلى انخفاض حاد في شهية المخاطرة لدى المستثمرين العالميين.
أولاً، جذور الإغلاق: لعبة سياسية ودائرة مفرغة من فشل الحوكمة
بدأت جولة الإغلاق الحالية للحكومة الفيدرالية الأمريكية في 1 أكتوبر 2025، وكان السبب المباشر هو الخلاف الحاد بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول دعم قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة.
● كشف هذا الإغلاق عن مأزق عميق في النظام السياسي الأمريكي. طالب الديمقراطيون بحسم قضية دعم التأمين الصحي أولاً، بينما أصر الجمهوريون على إنهاء الإغلاق قبل مناقشة التأمين الصحي، وتمسك كل طرف بموقفه دون تقديم تنازلات.
● تحولت قوانين التمويل المؤقتة من "حلول مؤقتة" إلى "إجراءات روتينية". جعلت إجراءات "النقاش المطول" في مجلس الشيوخ تمرير القوانين أكثر صعوبة، حيث تسمح هذه الإجراءات للأعضاء بتمديد النقاش لتأخير أو منع التصويت على مشروع قانون معين.
● حذر رئيس المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض، هاسيت، خلال فترة الإغلاق من أنه إذا استمر الإغلاق، فقد يتحول الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع إلى قيمة سالبة. كما اعترف وزير الخزانة بيسنت بأن تأثير الإغلاق على الاقتصاد "يزداد سوءًا".
ثانيًا، سلسلة النقل الأولى: الضربة الدقيقة لتضييق السيولة
تصف هذه السلسلة الجانب المادي لسحب الأموال، وجوهرها هو حساب TGA الذي فتحته وزارة الخزانة الأمريكية في الاحتياطي الفيدرالي. العملية بأكملها تشبه نظام أنابيب مالية دقيق يسحب السيولة من السوق.
● إغلاق الحكومة → انقطاع الدورة المالية → ارتفاع رصيد TGA → تضييق سيولة الدولار → ارتفاع تكلفة تمويل صانعي السوق → جفاف السيولة في سوق العملات المشفرة
انقطاع الدورة المالية، وتحول TGA إلى "ثقب أسود مالي"
● في الحالة الطبيعية، تحافظ دورة أموال وزارة الخزانة الأمريكية على توازن ديناميكي: يتم إيداع الأموال في حساب TGA من خلال الضرائب وإصدار السندات، ثم يتم ضخ الأموال في السوق من خلال الإنفاق المالي، مما يخلق دورة سيولة صحية.
● كسر الإغلاق هذا التوازن تمامًا. وفقًا لبيانات وزارة الخزانة، ارتفعت إيرادات الحكومة الأمريكية في سبتمبر إلى 543.663 مليار دولار، بينما انخفض الإنفاق فجأة إلى 345.713 مليار دولار بسبب الإغلاق.
● استمر حساب TGA في امتصاص الأموال من خلال الضرائب وإصدار السندات، بينما توقف الإنفاق المالي، مما خلق حالة ضخمة من "الدخول فقط دون خروج" للسيولة. أدى ذلك إلى ارتفاع رصيد TGA من حوالي 300 مليار دولار إلى أكثر من 1 تريليون دولار، أي تم سحب أكثر من 700 مليار دولار نقدًا من السوق.
تضييق سيولة الدولار وارتفاع تكلفة التمويل
● تسبب "تأثير الثقب الأسود" لحساب TGA في أزمة سيولة الدولار داخل النظام المالي. ارتفع سعر الفائدة المرجعي الرئيسي لتمويل الدولار بين البنوك - سعر الفائدة المضمون لليلة واحدة (SOFR) في 31 أكتوبر بمقدار 22 نقطة أساس، متجاوزًا بكثير النطاق المستهدف لسعر الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي.
● في الوقت نفسه، زاد استخدام البنوك التجارية لأداة إعادة الشراء الدائمة للاحتياطي الفيدرالي بشكل ملحوظ، مقتربًا من مستويات تاريخية مرتفعة. يشير هذا بوضوح إلى وجود "ندرة شديدة في الدولار" في النظام المصرفي وارتفاع حاد في تكلفة التمويل القصير الأجل.
● اعترف مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي في جلسات غير علنية بأن تأثير التضييق الناتج عن ارتفاع TGA يعادل عدة زيادات في أسعار الفائدة، مما ألغى تمامًا جهود الاحتياطي الفيدرالي السابقة للحفاظ على سيولة السوق.
الضغط يصل مباشرة إلى قلب عالم العملات المشفرة
انتقلت أزمة السيولة في الأسواق المالية التقليدية إلى سوق العملات المشفرة من خلال قناتين رئيسيتين:
● صانعو السوق في المقدمة. يعتمد صانعو السوق ومنصات التداول في سوق العملات المشفرة بشكل كبير على التمويل القصير الأجل من الأسواق المالية التقليدية لتوفير السيولة. عندما ترتفع أسعار الفائدة القصيرة مثل SOFR، ترتفع تكلفة تمويل صانعي السوق بشكل حاد، مما يقلص هامش الربح بشكل كبير.
● كشف مدير إدارة المخاطر لدى أحد كبار صانعي السوق، طالبًا عدم الكشف عن هويته: "خلال فترة الإغلاق، زادت تكلفة تمويلنا بالدولار أكثر من الضعف، واضطررنا إلى تقليص حجم صنع السوق بشكل كبير في جميع المنصات الرئيسية." أدى ذلك مباشرة إلى اتساع الفارق بين أسعار الشراء والبيع في سوق العملات المشفرة وتدهور عمق السوق.
● إدارة احتياطيات العملات المستقرة تواجه أيضًا ضغوطًا هائلة. تعتمد معظم العملات المستقرة على الأصول الدولارية (مثل سندات الخزانة قصيرة الأجل) كاحتياطي. عندما تواجه هذه الأصول عالية السيولة صعوبات في التداول في الأسواق المالية التقليدية، يتأثر مباشرةً إدارة احتياطيات مُصدري العملات المستقرة. تظهر البيانات أن تضييق سيولة الدولار أدى إلى انخفاض علاوة العملات المستقرة خارج السوق من +0.3% إلى -1.1%، مما يدل على أن "ندرة الدولار الوهمية" أثرت بالفعل على سوق العملات المستقرة.
ثانيًا، سلسلة النقل الثانية: الصدمة النفسية لتحول شهية المخاطرة
تصف هذه السلسلة انعكاس نفسية السوق ومشاعره، والدافع الرئيسي لها هو عدم اليقين. عندما يغرق المستثمرون في ضباب المعلومات، يصبح سلوكهم أكثر تحفظًا وحذرًا.
● إغلاق الحكومة → فقدان البيانات الاقتصادية + عدم اليقين السياسي → تصاعد مشاعر تجنب المخاطر عالميًا → خروج الأموال من الأصول الخطرة → تعرض سوق العملات المشفرة للبيع المكثف → تراجع السيولة بشكل حلزوني
"ثقب أسود" البيانات الاقتصادية وعدم اليقين السياسي
● أدى إغلاق الحكومة إلى توقف عمل مؤسسات إحصائية رئيسية مثل وزارة العمل ووزارة التجارة الأمريكية، مما أدى إلى انقطاع تام في البيانات الاقتصادية الرسمية الرئيسية مثل مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) وتقرير الوظائف غير الزراعية. فقد السوق "عينه" في تقييم صحة الاقتصاد، وأصبح الاحتياطي الفيدرالي والمستثمرون والشركات يسيرون في الضباب.
● كتب كبير الاقتصاديين في JPMorgan في تقرير للعملاء: "اتخاذ قرارات اقتصادية بدون بيانات يشبه لمس الفيل من قبل الأعمى، وننصح العملاء بالحذر حتى تتضح الأمور."
● تفاقم هذا عدم اليقين بسبب سياسات التعرفة الجمركية التي أعلنها ترامب. أعلنت الحكومة الأمريكية فرض رسوم جمركية على العديد من السلع المستوردة، مما أثار مخاوف من تصاعد التوترات التجارية العالمية. في الوقت نفسه، تستمر المخاطر الجيوسياسية مثل الصراع الروسي الأوكراني والصراع الفلسطيني الإسرائيلي في التصاعد، مما يرفع مؤشر الخوف في الأسواق العالمية.
تصاعد مشاعر تجنب المخاطر عالميًا وهجرة الأموال
● في مواجهة هذه "العاصفة المثالية"، ارتفعت مشاعر تجنب المخاطر لدى المستثمرين بشكل حاد. أظهر مؤشر الخوف والطمع الصادر عن جامعة شيكاغو قيمة 23، مما يشير بوضوح إلى أن السوق في منطقة "الخوف".
● تُعتبر العملات المشفرة من قبل مجتمع الاستثمار العالمي السائد "أكثر الأصول خطورة". عند تجنب المخاطر، تكون هي أول ما يتم بيعه. خلال فترة الإغلاق، شهدت صناديق العملات المشفرة تدفقات نقدية خارجة لمدة أربعة أسابيع متتالية، بإجمالي 4.7 مليار دولار.
● اعترف مدير صندوق تحوط في وول ستريت قائلاً: "عندما يصل عدم اليقين إلى هذا المستوى، يكون رد فعلنا الأول هو تقليل التعرض للأصول الخطرة، وتكون العملات المشفرة أول ما نستهدفه."
تراجع السيولة في السوق بشكل حلزوني
● أدى خروج الأموال إلى سلسلة من ردود الفعل المتسلسلة. أدى الضغط المستمر للبيع إلى تراجع الأسعار بسبب قلة المشترين نتيجة حالة الترقب. الأهم من ذلك، أن صانعي السوق في بيئة عالية عدم اليقين سيقومون بتقليص الفارق السعري وتقليل حجم المراكز للسيطرة على المخاطر الخاصة بهم.
● أدى ذلك مباشرة إلى تدهور عمق السوق، وأصبحت الصفقات الكبيرة أكثر عرضة لتحركات سعرية حادة. في الوقت نفسه، يؤدي انخفاض الأسعار إلى تصفية مراكز الشراء بالرافعة المالية قسرًا، مما يخلق حلقة سلبية من "الانخفاض → التصفية القسرية → البيع → المزيد من الانخفاض".
رابعًا، نهاية الإغلاق وبداية فصل جديد في السوق
مع إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي في 11 نوفمبر قانون التمويل المؤقت، أوشك إغلاق الحكومة الذي استمر 41 يومًا على نهايته. تحول انتباه السوق فورًا إلى المشهد الجديد لما بعد الإغلاق.
تدفق السيولة وارتداد السوق
● أول فائدة مباشرة هي عودة السيولة. بعد انتهاء الإغلاق، ستحتاج وزارة الخزانة إلى إعادة ضخ الأموال الضخمة في حساب TGA إلى السوق، مع هدف إعادة بناء الرصيد النقدي إلى 600 مليار دولار فقط، مما يعني تحرير ما لا يقل عن 500 مليار دولار من السيولة الصافية.
● تدعم البيانات التاريخية التوقعات المتفائلة. في غضون 30 يومًا من نهاية إغلاق أكتوبر 2013، ارتفع سعر bitcoin بنسبة 54%؛ وفي 30 يومًا من نهاية إغلاق 2018-2019، ارتفع bitcoin بنسبة 15%. بعد انتهاء الإغلاق الحالي، ارتفع سعر bitcoin بسرعة إلى ما فوق 105,000 دولار.
محفزات جديدة محتملة وتوقعات السوق
● قد تكون هناك موجة أكبر من السيولة في الطريق. أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن خطة "عائدات التعرفة الجمركية" التي تتجاوز 400 مليار دولار، وإذا تم تنفيذها، ستضخ المزيد من السيولة في السوق.
● أشار المحللون إلى أن bitcoin يبدو أنه وجد "سعر الاكتتاب العام"، وهو مؤشر مبكر على قاع السوق. من منظور التحليل الفني، إذا تمكن من اختراق مستوى المقاومة عند 104,300 دولار، فقد يرتفع سعر bitcoin إلى 111,999 دولارًا أو حتى 117,552 دولارًا.
عندما ينتهي الجمود السياسي في واشنطن وتعود السيولة المجمدة إلى التدفق كالماء في الربيع، فإن المستثمرين القادرين على رؤية هذه الخطوط بوضوح سيكونون أكثر قدرة على تحديد الاتجاه في السوق القادم. إن إغلاق الحكومة الأمريكية يشبه حجرًا يُلقى في بركة المال العالمية، والتموجات التي يثيرها تصل في النهاية إلى كل زاوية من عالم العملات المشفرة.
