تشهد آسيا نموًا متسارعًا في تبنّي العملات الرقمية، متجاوزةً مناطق كبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا سواء على مستوى التداول أو الاستثمار المؤسسي أو مشاركة التجزئة.
ففي الوقت الذي يشهد فيه سوق العملات الرقمية العالمي تحوّلًا ملحوظًا، تتقدّم آسيا لقيادة هذا التوجّه. إذ برزت منطقة آسيا والمحيط الهادئ (APAC) منذ مطلع هذا العام كأسرع محرك نمو لنشاط العملات الرقمية، متفوّقةً على كلٍّ من الولايات المتحدة وأوروبا في حجم التداول، والتبنّي المؤسسي، وكذلك مشاركة المستثمرين الأفراد.
وفي هذا الإطار، أشار تحليل حديث صادر عن شركة CryptoQuant إلى أن مؤشر Korea Premium Index، الذي يقيس حجم تداول البيتكوين في البورصات الكورية مقارنةً بالمتوسطات العالمية، بقي إيجابيًا طوال العام، متراوحًا بين +1.5% و+8%. ويُظهر هذا الرقم المستقر طلبًا قويًا ونشاطًا متزايدًا من قِبل المستثمرين الكوريين.
بالتوازي مع ذلك، يكشف معدل احتياطي بورصات البيتكوين، الذي يقارن بين المنصات الأميركية ونظيراتها الخارجية، عن تدفق ملحوظ للسيولة نحو الشرق. فقد تراجعت النسبة من 0.10 في أواخر عام 2024 إلى -0.24 بحلول سبتمبر 2025، ما يعكس تركّزًا متزايدًا لرأس المال المؤسسي والتجزئة في منصات خارجية مثل Binance وOKX.
كما تُظهر بيانات Chainalysis حجم هذا النمو الكبير، حيث ارتفع حجم التداول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 69% على أساس سنوي، من 1.4 تريليون دولار أميركي في يونيو 2024 إلى 2.36 تريليون دولار في يونيو 2025. ومن بين أبرز المساهمين في هذا النمو كلٌّ من فيتنام، وباكستان، والهند، وكوريا الجنوبية، وهو ما يجعل المنطقة أسرع أسواق العملات الرقمية نموًا في العالم خلال هذا العام.
هذا ولا يقتصر الأمر على التداول فقط، بل ينعكس نضج السوق الآسيوي أيضًا في النمو المتسارع للعملات المستقرة وأدوات الخزينة الرقمية للشركات. إذ يُظهر تقرير حديث لشركة Fireblocks أن 56% من الشركات في آسيا تستخدم العملات المستقرة بنشاط، بينما تستعد 40% أخرى لتبنّيها قريبًا، ما يضع القارة في موقع متقدّم جدًا مقارنةً بأوروبا وأميركا الشمالية في هذا المجال.
وقد ساهم كلٌّ من الوضوح التنظيمي والابتكار في تعزيز منظومة العملات المستقرة داخل آسيا. فمثلًا، وضعت هونغ كونغ أطرًا تنظيمية رسمية لتبنّيها، في حين تتابع دول كبرى مثل الصين واليابان عن كثب تطورات مماثلة.
وفي سياق متصل، تشهد الشركات الآسيوية توسعًا ملحوظًا في استراتيجيات إدارة خزائن البيتكوين. إذ تحتفظ نحو 21 شركة في الصين واليابان وهونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايلاند بالبيتكوين ضمن ميزانياتها العمومية، بينما أبدت بعض الحكومات اهتمامًا بإنشاء احتياطيات وطنية من العملات الرقمية.
ومن الأمثلة البارزة، تعهّدت شركة ميتابلانيت، الرائدة في إدارة خزائن البيتكوين في آسيا، بالاستحواذ على 210,000 بيتكوين بحلول عام 2027، وهي تحتفظ بالفعل بأكثر من 25,000 بيتكوين. كذلك، أطلقت شركات أخرى مثل سورا فينتشرز، ومقرها تايوان، صناديق استثمارية متنوعة تستهدف التراكم طويل الأجل، ما يشير إلى أن حجم الحيازات خارج منطقة آسيا والمحيط الهادئ قد يشهد نموًا إضافيًا في الأشهر المقبلة.
كما تبرز مبادرات أخرى، مثل صندوق DAT متعدد العملات بقيمة 500 مليون دولار الذي أطلقته مجموعة هاشكي في هونغ كونغ، لتؤكد التزام آسيا المتزايد باستخدام العملات الرقمية كأصول احتياطية استراتيجية. ومع وضوح اللوائح، وتزايد التبنّي، وتسارع الابتكار، تُرسّخ آسيا مكانتها كمنافس قويّ للولايات المتحدة وأوروبا في مجال قيادة التبني العالمي للعملات الرقمية.
